مقالات بقلم الشريك: داميَن دوامل
لطالما رسّخت الإمارات مكانتها كمركز للطموحات العالمية—في مجالات مثل المالية، واللوجستيات، والثقافة. مع إعلان دخول ديزني إلى السوق الإماراتي من خلال وجهة جديدة في جزيرة ياس بالشراكة مع "مِرَال"، نشهد بداية تحول هيكلي في طريقة تنافس الدولة على مستوى السياحة والاقتصاد الإبداعي العالمي. خطوة ديزني ليست مجرد إضافة لمتنزه جديد، بل إشارة إلى جاهزية الإمارات لاستضافة علامات تجارية عالمية مرموقة ضمن إطار منظّم وطموح، ويمثّل نقطة انعطاف استراتيجية ذات تبعات اقتصادية بعيدة المدى.
كيف يعيد دخول ديزني رسم مشهدي الترفيه والسياحة في الإمارات؟
تحويل مشهد الترفيه والسياحة
في 2024، بلغت مساهمة السياحة في الاقتصاد الإماراتي أكثر من 257 مليار درهم—أي ما يقارب 12% من الناتج المحلي—وخَلفَت قرابة 900 ألف وظيفة. شكّل السياح الأجانب إنفاقًا بقيمة 217 مليار درهم، بينما بلغ إنفاق السياحة المحلية 57.6 مليار درهم. وبمعالجة أكثر من 120 مليون مسافر عبر مطارات الدولة الرئيسية، فالمؤسسة التحتية جاهزة لاستيعاب موجة جديدة من الطلب.
وجود ديزني سيمكن من إطلاق "دورة فائقة" في السياحة. استنادًا إلى تجربة ديزني شنغهاي التي جذبت أكثر من 11 مليون زائر في عامها الأول، نتوقع أن يصل عدد زوار أبوظبي إلى 10–12 مليون سنويًا عند النضج الكامل. ومن المتوقع أن يسهم هذا في ضخ إنفاق إضافي يتراوح بين 300–400 مليار درهم خلال أول خمس سنوات فقط—مما يعمّق الفائدة في قطاعات الضيافة، والتجزئة، واللوجستيات، والطيران، والبنية التحتية المحلية. ولن تحل هذه الإضافة محل الأصول الحالية، بل ستوسع قطاع السياحة بتوفير إقامات أطول، وزيارات متكررة، وتجربة أكثر تنوعًا. كما ستتطور جزيرة ياس، التي جذبت نحو 38 مليون زيارة في 2024، لتنافس كلًّا من أورلاندو وأناهيم في أهميتها الإستراتيجية.
ما هي الشراكات الإستراتيجية التي قد تدخلها ديزني في الإمارات؟
خريطة شراكات استراتيجية
اتبعت ديزني في الإمارات نموذج "خفيف الأصول ومعتمد على الشراكات". شراكتها مع "مِرَال"، الجهة الحكومية لتنمية السياحة في أبوظبي، تمثّل مثالًا عن هذا النهج: تملك "مِرَال" المرفق وتموّله وتديره، بينما تمنح ديزني التراخيص والاستخدام للعلامة وحقوق الملكية الفكرية، مع ضمان الحفاظ على مستوى العلامة العالمية.
نتوقع أن هذا التعاون هو الأول ضمن سلسلة شراكات استراتيجية. فقد يظهر تعاون مع شركات عقارية مثل "الدَّار" أو "مِرَعَس" لتطوير مناطق سكنية وضيافة مجاورة. وقد تنخرط شركات الاتصالات مثل e& أو "دو" في خدمات الواقع المعزز، والبنية التحتية للاتصال الذكي بالمنتزه. كما قد تساهم مؤسسات التعليم العالي والمراكز الإبداعية—مثل twofour54 وDubai Studio City—في بناء التخريجين في مجالات الرسوم المتحركة، السرد القصصي، وقيادة الضيافة.
ستمتد الشراكة لتشمل النقل والتجزئة، حيث قد تطوّر "طيران الإمارات" و"الاتحاد" عروض سفر متكاملة تشمل تذاكر المنتزه، كما ستتاح الفرصة لتجار التجزئة والمطاعم للانخراط في نظام التراخيص والتسويق لعلامة ديزني.
كيف يتوافق دخول ديزني مع أهداف رؤية الإمارات لعام 2031؟
التناغم مع رؤية الإمارات الاقتصادية 2031
توقيت دخول ديزني متماشي مع رؤية الإمارات 2031 التي تُركّز على التنويع بعيدًا عن الهيدروكربونات نحو تكنولوجيا المعرفة والتجارب والابتكار. ففي الربع الأول من 2024 نما الاقتصاد غير النفطي للإمارات بنسبة 4%. وحققت قطاعات مثل السياحة والتجزئة والضيافة—المكونات الأساسية لنموذج ديزني—نموًا بين 4.2% و4.6%.
سيؤدي وصول ديزني إلى خلق آلاف الوظائف الجديدة في الجوانب الإبداعية والتشغيلية والرقمية. كما سيدعم مشاركة الشركات الصغيرة والمتوسطة في إنتاج البضائع، واللوجستيات، وتنظيم الفعاليات. والأكثر أهمية، أنه يعزّز القوة الناعمة للإمارات من خلال ربط هويتها بإحدى أقوى العلامات العائلية الترفيهية بالعالم.
في ظل توقع نمو الاقتصاد غير النفطي بنسبة تتراوح بين 5.3% و5.4%، سيكون لوجود ديزني أثر مضاعف ملموس على النمو والتوظيف والاستثمار الأجنبي المباشر.
ما الإمكانيات التي يقدمها وجود ديزني للقطاع الإعلامي والإبداعي المحلي؟
بناء اقتصاد إبداعي وثقافي
أحد الجوانب الأقل تسليطًا للضوء على دخول ديزني هو قدرته على تعزيز احترافية وتدويل القطاع الإبداعي المحلي. مع طلب على محتوى محوّل للعربية، وتمثيل صوت محلي، وتصميم ديكورات، وإنتاج فعاليات، ستمثل ديزني معيارًا ومُلحقًا لتطوير المواهب الإقليمية.
نتوقّع مساهمة المبدعين الإماراتيين في محتوى مرخص من ديزني، ووجود أكاديميات تُعنى بالسرد القصصي والتصميم الرقمي والتجارب المتكاملة، وتحسين استوديوهات محلية لتتوافق مع معايير الجودة العالمية لديزني. وهي استثمارات طويلة الأمد ونوعية، تتجاوز مجرد العقارات والتدفقات السياحية.
إذا استُغلت بالشكل الصحيح، ستصبح هذه الشراكات منصة لانطلاق جيل جديد من رواد الأعمال الإبداعيين العرب، ليس فقط لخدمة ديزني بل للسوق الإعلامي والثقافي في الخليج.
كيف سيتفاعل المنافسون المحليون والإطارات التنظيمية مع توسع ديزني؟
التوازن التنافسي والإطار التنظيمي
من غير شك أن دخول ديزني سيعيد تشكيل نموذج المشهد الترفيهي في الإمارات. فمنتزهات منافسة مثل Motiongate وIMG Worlds وLegoland ستواجه ضغوطًا في الأسعار، جودة الخدمة، وعمق المحتوى. لكن هذا ليس تهديدًا بقدر ما هو فرصة — فالكيانات الذكية ستميّز نفسها عبر سرد محلي وتشكيلات متكاملة وتفاعلات خارج الذروة.
كما سيتوجب على الجهات التنظيمية مواكبة المعايير العالية لديزني المتعلقة بالسلامة، والوصول، وترخيص المحتوى. وقد تحفّز هذه المعايير الإمارات على تطوير نظام تصنيف المحتوى وحماية الملكية الفكرية واعتماد التقنيات المتقدمة. وبفضل كفاءة الإدارة الإماراتية، نتوقّع أن يكون هذا التحديث فعّالًا وبالبنية المناسبة.
خاتمة: لحظة فاصلة لرؤية الإمارات الاقتصادية
دخول ديزني للسوق الإماراتي ليس مجرد استثمار، بل تحالف إستراتيجي بين علامة عالمية ودولة تعيد كتابة القواعد نحو اقتصاد ما بعد النفط. إنه يؤكد طموح الإمارات لتصبح محركًا ثقافيًا واقتصاديًا للمنطقة، ليس فقط من الناحية المادية، بل في القيمة العاطفية والتجارب المجتمعية.
ليست هذه مجرد حديقة ترفيه—بل منصة للنمو، للسرد، وللرؤية.
للمستثمرين، والمشغلين، وصانعي السياسات، الحان الوقت للتفاعل—الأسس وُضعت، والعلامة وصلت، والفرصة حقيقية وستغيّر وجه أبوظبي والإمارات والشرق الأوسط.