طموح أبوظبي في قطاع الطيران والفضاء: ركيزة استراتيجية لرؤية أبوظبي الاقتصادية 2030
تحوّل أبوظبي إلى مركز عالمي لصناعة الطيران والفضاء ليس مصادفة، بل هو تحرّك محسوب ضمن إطار "رؤية أبوظبي الاقتصادية 2030". ومع تقليل الاعتماد على النفط، برز قطاع الطيران والتصنيع المتقدم كأحد الركائز الأساسية لتنويع الاقتصاد. ومن المنصات عالية الارتفاع إلى تقنيات الأقمار الصناعية، تعمل أبوظبي على ترسيخ مكانتها كقوة سيادية في ابتكار الفضاء.
منشأة HAPS التابعة لـ Space42: محطة مفصلية في التصنيع السيادي للطيران
من أبرز التطورات التي تدعم هذا التوجه، إنشاء شركة Space42 أول منشأة لتصنيع منصات الارتفاع العالي (HAPS) في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وذلك في أبوظبي. تمتد المنشأة على مساحة 4,500 متر مربع، ومن المتوقع أن تنتج أكثر من 20 طائرة دون طيار من نوع HAPS سنويًا، لخدمة مجالات الاتصالات، ورصد البيئة، والدفاع.
وقد صرّح خالد المرزوقي، الرئيس التنفيذي لشركة Mira Aerospace (الذراع المتخصصة بـ HAPS التابعة لـ Space42):
"مع تسارع الطلب العالمي على منصات HAPS، تقوم Space42 باستثمارات استراتيجية لتعزيز ريادتها في هذا السوق الواعد. هذه المنشأة تمثل التزامنا الراسخ بالقدرات السيادية للطيران، وتتماشى مع الأهداف الاقتصادية الأوسع لدولة الإمارات."
قطاع الطيران: محور رئيسي لتنويع الاقتصاد
يرتبط طموح أبوظبي في مجال الطيران والفضاء ارتباطًا وثيقًا برؤية 2030، التي تضع الصناعات المعرفية، والتصنيع عالي التقنية، والقدرة التنافسية العالمية في صميم أولوياتها. وقد أحرزت الإمارة تقدمًا ملحوظًا في تقليل اعتمادها على الموارد الهيدروكربونية، حيث أصبح قطاع الطيران أحد المحركات الرئيسية للنمو المستدام.
كما تعزز "الاستراتيجية الوطنية للفضاء 2030" هذا الالتزام، من خلال دعم استثمارات استراتيجية في صناعة الطيران والفضاء في أبوظبي، ما يرسّخ دورها في تقنيات الأقمار الصناعية، والاستشعار الجغرافي، والبحث والتطوير.
السيادة الفضائية والشراكات الاستراتيجية
إلى جانب الطائرات عالية الارتفاع، تعمل أبوظبي على تعزيز قدراتها في مجال الأقمار الصناعية من خلال شراكات استراتيجية. تتعاون Space42 مع شركة ICEYE العالمية الرائدة في تكنولوجيا رادار الفتحة الاصطناعية (SAR)، لإنتاج أقمار صناعية لرصد الأرض (EO) داخل دولة الإمارات. وتأتي هذه الخطوة ضمن "برنامج الإمارات لمراقبة الأرض"، الهادف إلى بناء خبرات وطنية في تقنيات الاستشعار عن بُعد المعتمدة على الأقمار الصناعية.
تُعد هذه المبادرة نقلة نوعية، حيث تُصنَّف الإمارات ضمن عدد قليل من الدول التي تمتلك قدرات تصنيع فضائية محلية، مما يعزز مكانتها في ساحة الفضاء العالمية.
التطبيقات الدفاعية والأمن الوطني
ولا تقتصر تطورات قطاع الطيران والفضاء في أبوظبي على التطبيقات التجارية فقط؛ فتعزيز القدرات الدفاعية السيادية يمثل محورًا رئيسيًا في هذه الاستراتيجية. وقد أعلنت Mira Aerospace مؤخرًا عن شراكة مع XRANGE، وهي منشأة متخصصة بالتدريب والاختبار والتقييم متعدد المجالات (TT&E)، لإنشاء مركز دائم لاختبار الطائرات دون طيار عالية الارتفاع.
كما طورت الشركة حمولات تقنية متقدمة تُستخدم في التخطيط الحضري، والاستجابة للكوارث، والاتصال المباشر بالأجهزة — وهي تطبيقات محورية تتماشى مع أهداف الأمن الوطني.
رؤية أبوظبي الطويلة الأمد لقطاع الطيران والفضاء
يعكس قطاع الطيران في دولة الإمارات المبادئ الأساسية لرؤية أبوظبي 2030: تقليل الاعتماد على النفط، وتطوير الصناعات التقنية، وتعزيز القدرة التنافسية العالمية. وتضمن الاستثمارات المدروسة في التصنيع السيادي والبحث والتطوير بقاء منظومة الطيران في أبوظبي مرنة وقابلة للتوسع ومستدامة ماليًا.
ما كان يومًا اقتصادًا يتمحور حول النفط، أصبح اليوم مركزًا للذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الفضاء المتقدمة، والاستشعار الجغرافي، والابتكار الجوي. وبينما تنفذ أبوظبي رؤيتها المستقبلية بخطى ثابتة، تمثل استثمارات استراتيجية مثل منشأة HAPS التابعة لـ Space42 دلالة واضحة على عزمها على قيادة مستقبل التكنولوجيا السيادية في الفضاء.
